أسرار سياسية بين الحسن الثاني
واليوسفي والبصري
ما هي يا تُرى بعض تفاصيل المواقف الطريفة، أو غيرها،
التي عايشها أغلب المسؤولين المغاربة؟ قلما نجد أجوبة بهذا الشأن لاعتبارات لا
تخفى.
انطلاقا من هذا التساؤل، سعينا إلى تجميع بعض المعطيات
المرتبطة بكواليس الحياة السياسية المغربية، مرتكزين على بعضٍ من أهم الفاعلين
السياسيين، عبر محطة زمنية امتدت لقرابة نصف قرن، مُعتمدين في ذلك، على العديد من
المصادر، التي عايشت تلك الشخصيات السياسية مُباشرة، كما قلَّبنا بعض المواقف
والأحداث، التي كان لها أثر سياسي أو إعلامي أو اقتصادي... إلخ، واستقينا المعلومات
التي ارتبطت بها، من مصادرها القريبة، ونجد أن ما تراكم لدينا، ضمن هذا الإطار، لا
يخلو من جِدَّةٍ وطرافة، مما يُشكل نزرا من سجلات حياتنا السياسية، على مدى الفترة
الزمنية المذكورة، منها مثلا، تلك التي عرَّجت على تفاصيل مُفارقة، في اجتماعات
بعض الأحزاب، وطرائف تكشف عن نوع العلاقات، بين القصر ومختلف الفاعلين، في عهدي الملكين
الحسن الثاني ومحمد السادس، كما وقفنا على آراء بعض الشخصيات السياسية الشهيرة، في
مواقف بعيدة عن مجال اختصاصها، وما قاله أو تصرف به، العديد منهم، في ظروف مُعينة
لا تخلو من مُفارقة. ومن بين ما تجمَّع لدينا أيضا، نجد مُعطيات حول
"تهافت" كبار الشخصيات المغربية، للحصول على الجنسية المزدوجة، الفرنسية
بالأساس، وذلك استنادا إلى المُعطيات التي أفضى بها سفيران فرنسيان بالمغرب، وبين
هذا وذاك، بعض التفسيرات لأحداث سياسية، ظل يكتنفها الغموض زمنا.
ومن نافل القول إن
الكواليس السياسية، تحفل دائما بكثير من الأمور المُحَدَدَةِ، التي لا تُقال في
إبانها، وذلك لاعتبارات كثيرة، أهمها أنها ترتبط بـ "واجب" التحفظ لدى
السياسيين، ومختلف الفاعلين في جل مجالات
الشأن العام، ليتحول هذا "الواجب" إلى "كمامة" على أفواههم، خلال
ممارستهم لمهامهم الرسمية، وبالتالي جعل رجل السياسة مثلا، يُدور لسانه أكثر من
سبع مرات، قبل البوح بما يعتمل في الوسط السياسي، من أمور تُعتبر من قبيل ما لا
"يجوز" إطلاع الجمهور عليه.
من الطبيعي أن كل السياسيين يُعايشون مواقف وظروفا،
ووقائع تحبل بالكثير من المُفارقات، بحُكم مسؤولياتهم، وتداخلها بالعديد من
المستويات، التي تتصل بكواليس وخلفيات الوسط الذي يتحركون فيه، ومن ثمة تتجمع
لديهم حصيلة زاخرة من المُعطيات، لا يُكتبُ لأغلبها أن ترى النور، ليطلع عليها
الناس.
وقائع حصيلة هذا الملف قد تبدو مُتفرقة في زمان ومكان
وُقوعها، كما في مضامينها، غير أن قاسمها المشترك، هو الكشف عن أسرار ومُفارقات
مغربية بامتياز، في ظروف ومواقف مُختلفة.
في الملف التالي حصيلة بكل هذا وذاك، وغيرهما مما أمكننا
وضعه ضمن هذا الحيز.
رجل السياسة المغربي: "شاهد ما شافش حاجة"
لم يُكتب للكثير من تفاصيل حياة السياسيين، ومختلف
الفاعلين والمسؤولين المغاربة، أن ترى النور، وذلك للعديد من الاعتبارات، يرجع
أهمها إلى طبيعة المجتمع الذي يتحركون فيه، والبنية الهرمية العمودية لشكل الدولة.
فبالنسبة للخصائص الاجتماعية، فثمة مَن يذهبُ إلى القول
بأن عموم المغاربة يتصفون بـ "التكتم" في البوح بالمكنون، حيث تتأطر
علاقاتهم وتصرفاتهم، بمرجعيات اجتماعية تحث على عدم إفشاء ما يعتمل في دواخلهم،
وهو ما يُمكن إحالته على نوع "التربية" التي يتلقاها المغربي والمغربية
من المهد إلى اللحد، مما لا يُساعد على "انبثاق" الخصوصيات الفردية، بل
يجعلها تتلاشى في الذهنية الجماعية، إن لم نقل "القطيعية". أما فيما
يتعلق بالاعتبارات السياسية، فغالبا ما تتم الإشارة إلى أن طبيعة النظام السياسي
المغربي، لا تُفسح المجال للمُبادرة الفردية، باعتبار أن القرار السياسي يتجه رأسا
من أعلى إلى تحت، ومن ثم يجد المرء المشتغل بالسياسة، أن وجوده مشروط بمدى خضوعه للهرمية العمودية للنظام
السياسي. فعلى سبيل المثال إن الوزير الأول المغربي، لا يُمكنه أن
"يقترف" خرجات إعلامية، كلما كان الظرف، أو الحدث يقتضي ذلك، لأنه لا
يتوفر على صلاحيات البتِّ في عديد من الأمور المتصلة بالشأن العام. وهنا ننتقل من
"واجب" التحفظ الذي يتصل بطبيعة العمل السياسي، إلى نواهي ومحظورات عدم
التحفظ.
يقول الدكتور لحسن بروكسي وهو إطار سابق في وزارة
الداخلية، ومُؤلف لعدة كُتب فكرية سياسية، منها "المغرب بلد اللاكتمال":
"رجل السياسة المغربي، مشدود أكثر لعوامل التكتم، لأنه يعرف أنه خادم للملك
وليس للدولة، وهي العوامل التي عمل الحسن الثاني على ترسيخها، ألم يقل يوما إن
بإمكانه أن يُعين سائقه في منصب الوزير الأول؟". ويُضيف الدكتور
"بروكسي": "إن رجل السياسة المغربي، محكوم بخوف مُقيم من التعبير
عن أمور تتصل بمجال مسؤوليته، لأنه يعرف أن ذلك سيُستخدم ضده وليس لصالحه".
أما أحد المثقفين - رفض الكشف عن اسمه - فيقول: "إن
البنية السياسية للدولة في المغرب، قائمة على الشخصنة وليس المؤسسات، وهو ما يجعل
شخص الملك بمنطوق الدستور، الممثل الأسمى للدولة، مما يجعل باقي المؤسسات من
الحكومة إلى البرلمان فالأحزاب.. إلخ، مجرد مُلحقات، لذا فهي لا تتوفر على الأهلية
الفعلية التنفيذية أو التشريعية، وبالتالي فإن وضع رجل السياسة أو التدبير، يكون
هشا للغاية، ولا يجعله في موقع رجل الدولة، الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن
القطاع أو المجال الذي يُشرف عليه".
يتعقد الأمر أكثر حينما، نفتح ملف "أرشيف"
العلاقات والمواقف السياسية، التي عايشها مختلف الفاعلين السياسيين المغاربة، حيث
لا نجد مثلا أجوبة على العديد من "التعقيدات" التي اكتنفت مسار حياتهم
المهنية، كما لا نظفر بتفسيرات لمواقف كانت مشهودة في نفس المسار، وكأن المعنيين
بها لم يلتفتوا إليها حين وقوعها، وهذا من قبيل ضحك في وجه الحقيقة، لينطبق عليهم
القول الذائع: "شاهد ما شافش حاجة".
كم من سياسي مغربي سابق أو راهن، خرج على الناس
بمذكراته، بعد انتهاء مهامه الرسمية، ليُسلط الضوء على مواقف وأحداث، كانت في
إبانها، حديث الخاص والعام؟ لا حاجة إلى الإجابة أن النتيجة تكاد تكون صفرا، اللهم
نزرا قليلا لا يُسمن ولا يُغني من جوع الاطلاع، ذلك أنه حتى حينما يُقرر بعض
السياسيين المغاربة، الإمساك بالقلم في آخر العمر، لخط بعض من "نُتف"
مسارهم السياسي والحياتي الطويل، فإنهم يفعلون ذلك وهم يضعون على أيديهم
"قفازات" الاحتياط، كما اكتشفنا ذلك من خلال كتاب وزير الشؤون الخارجية والتعاون
السابق الراحل عبد اللطيف الفيلالي.. أما الأستاذ عبد الله إبراهيم، فإن ما سمح
بخروجه إلى النور، في شكل كتاب من مذكراته، أعده المؤلف محمد لومة، فلا يتجاوز بعض
الشذرات اليسيرة، مُقارنة بالزخم الكبير الذي عايشه الرجل من الأحداث والمواقف..
أما الوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي، فما زال يُدور لسانه عشرات المرات،
في فمه قبل الانتهاء من كتابة مُذكراته، التي أُعلِن غير ما مرة عن وُجود فكرة
إنجازها.
إنه لمن المُفارق، حقا، أن كتابات قديمة، لبعض الفاعلين
السياسيين والفكريين، جاءت بكَمٍّ زاخر ومدهش من المعلومات والأسرار، يتجاوز حصيلة
العقود الأخيرة لمغرب ما بعد الاستقلال، منها مثلا، ما جاء في كتاب "تاريخ الضَّعيف"
لمؤلفه الضَّعيف الرباطي، أو كتاب "حول مائدة الغذاء" للعلامة الفقيه
المختار السوسي. وهو وضع يجعلنا أقرب إلى التسليم بأننا نتأخر، حتى عن الماضي،
فيما يتعلق بتدوين سيرة السياسة والسياسيين، وباقي مناحي الشأن العام.
قد يقول قائل: إن حياة السياسيين، ومُختلف الفاعلين، شأن
خاص بهم، وبالتالي لا يجب كشف بعض دقائقها، مهما كان الاعتبار.. نعم إن ذلك صحيح
جزئيا، غير أن ثمة رأيا وجيها، يُفيد بالمُقابل، أن تصرفات ومواقف زيد أو عمر، تقف
عن أن تكون شأنا خاصا به، حينما يتسلم مهمة تسيير أحد الشؤون العامة، ذلك لأن مواقفه
وتصرفاته تُصبح مُتداخلة، مع أولئك الذين يسري عليهم الشأن العام الذي يُسيره.
فمثلا، كثيرا ما تُسفر تصرفات ومواقف وسلوكات شخصية عمومية، عن أثر بارز على حياة
ملايين الناس، ومن هنا مشروعية الكشف عن مواقف وتصرفات الشخصية المعنية، ما دام
أنها تتداخل مع الصالح أو الطالح العام.
يكاد لا يمر شهر في عدد كبير من الدول الغربية، وباقي
بلاد المعمور المتقدم، حتى تخرج إلى النور كُتُب وشهادات مُذاعة أو مُتلفزة، تكشف
من زوايا نظر أصحابها عن تفاصيل وأسرار مُرتبطة، بأحداث ومواقف بعينها، مما يستأثر
باهتمام العموم، وكثيرا ما يتم ذلك مع شفعه بسرد لأمور شخصية، يكون لها تأثير على
مسار الأحداث.. وهو ما يأخذ شكل يوميات تحفظ ذاكرة المجتمع، وتُنير أمامه سبُل
المستقبل. صحيح أن "واجب" التحفظ يظل حاضرا، بهذا المستوى أو ذاك، لدى
مسؤولي كل المجتمعات، غير أن درجة "حِدّته" تكون مُختلفة، والتفسير
واضح: إن النُّخب السياسية في الدول المتقدمة تعي أن استمرار مستوى تقدم وتطور
مُجتمعاتهم، رهين في جانب مهم منه، بدرجة تدفق المُعطيات والمعلومات، حول ملفات
الشأن العام، وخُلاصات التجارب الشخصية للنخب السياسية والفكرية.. إلخ.
أما عندنا، حيث نحن، في رقعة العالم المتخلف، فتعتقد
النخب السياسية، أن مقاليد الأمور لا تستقيم بدون إحاطة الذات
"المُنزَّهة" بأسوار الكتمان الغليظة، وحجب الحقائق عن عموم الدهماء..
وغيرها من عبارات الاحتراز، ليقين لديها – أي النخب – أن مَن يملك المعلومة يحكم
بالضرورة، ومَن لا يتوفر عليها يتلقى طائعا إحالاتها و "عواقبها"، وفي
ذلك أحد أشد أشكال ومضامين أنظمة الحكم الاستبدادية، حيث تنطلق المعلومة من أعلى
إلى أسفل، وليس العكس، أي أن يُساهم المجتمع برمته في تداول المعلومة، وصنعها، كما
في باقي عمليات الإنتاج.
وللغرابة فإن ذهنية الكتمان، تمنح لانكشاف الحقائق طابعا
فضائحيا، مثلما يحدث حينما تسقط إحدى الشخصيات العمومية، من بُرج
"أسرارها" المنيع وتُصبح حديث الخاص والعام، لاقترانها بقضية سياسية أو
أخلاقية.. مُشينة. وهو ما يمنح للموقف دور "التنفيس" الجماعي عن
احتقانات التكتم.. في حين أن الوضع السليم يقتضي أن تكون هناك عملية
"تطهير" مُنتظمة للذات، من خلال تدفق المعلومات والمُعطيات، الذاتية
المتصلة بأحد مناحي الشأن العام.
إن المجتمع ونُخبه "يجتهدان" في إنتاج
اعتبارات المُراوحة في نفس المكان، أي الإبقاء على الأمور حيث هي مُتوقفة منذ
الأزل، أما التقدم خطوات في مسارات التجريب، فكلها "محاذير" وأخطار،
وأفدحها على الإطلاق، الكشف عن أسرار وكواليس السلبيات المُعششة في حياتنا، وأركان
وزوايا مختلف مناحي الشأن العام، و... ما "فاز" إلا المتكتمون.
علال الفاسي: لا حرج في الدين
يتذكر أحد أبناء مؤسسي "حزب الاستقلال"، أن
زعيم أقدم التنظيمات السياسية المغربية، ونعني به علال الفاسي كانت لديه آراء
جريئة فيما يتعلق بقضايا أخلاقية، ولم يكن يتورع عن التعبير عنها كلما دعت الظروف
إلى ذلك، وكان من بينها، حسب مصدرنا، أنه حدث أن كان ذات مرة، وهو ما يزال في سن الشباب،
برفقة علال الفاسي في جولة لبعض مكتبات
العاصمة، حينما ارتفع صوت الأذان، فقال الزعيم الاستقلالي للشاب: انتظرني في
السيارة، سوف أؤدي الصلاة ثم أعود إليك، غير أن الشاب قال له: سأذهب معك إلى
المسجد، فكان أن رد عليه الشيخ بشكل
مفاجئ: "اجلس في السيارة، آش بينك وبين شي صلاة؟ حتى تكون بعدا ما فيكش
الجنابة عاد دوي عليها".
واقعة أخرى طريفة من نفس العيار، يرويها نفس المصدر، حيث
قال: كان الزعيم علال الفاسي، في زيارة إلى بيتنا يتحدث في شؤون الحزب مع والدي،
وفي لحظة مُعينة خطر لي أن أطرح سؤالا حول موقف الدين الإسلامي من مسألة الواقي
الذكري (العازل الطبي)، حينها غضب والدي مني، ونهرني قائلا: "اسكت آ
السلكوط". غير أن علال الفاسي تدخل بيني وبين أبي وقال لوالدي: "دعه
يطرح سؤاله، لا حياء في الدين".
"أُطلب السماحة من السيد إنياس دال"
الواقعة الطريفة التالية رواها الصحافي الفرنسي المعروف
"إنياس دال" لكاتب هذه السطور، وتعود إلى الفترة التي كان خلالها الزميل
المذكور مُديرا لمكتب وكالة "فرانس بريس" بالرباط. لنستمع إليه:
"حدث ذات مرة أن تناولني أحد صحافيي جريدة "حزب الاستقلال"، في
مقال له نُشر بالصفحة الأولى، لم يتورع عن وصفي فيه باللقيط، استفظعت تلك الشتيمة
فاتصلتُ بالصحافي الذي كتب المقال، وقٌلتُ له إن من حقه ألا تُعجبه كتاباتي
وآرائي، غير أن هذا لا يمنحه الحق في شتمي بتلك الطريقة البديئة، وطلبتُ منه أن
يكتب اعتذارا لي في عدد اليوم الموالي من الجريدة التي يعمل بها، وكم كانت مفاجأتي
كبيرة حينما رد علي قائلا: اذهب إلى الجحيم.. ثم أقفل الخط في وجهي. فقررتُ الاتصال بالأمين العام لحزب الاستقلال
حينها، السيد امحمد بوستة، عرفته بنفسي والغرض الذي اتصلت بشأنه، تعامل معي
القيادي الاستقلالي السابق، بشكل ودي للغاية، وطيب خاطري، ثم قال لي أن أُنهي
المكالمة، على أساس أن يتصل بي بعد لحظة قصيرة، وهو ما تم بالفعل حيث سألني عما
إذا كان وقتي يسمح لي بزيارته في مكتبه بمقر "حزب الاستقلال"، بعد ذلك
بنصف ساعة، أجبتُ بالإيجاب.
فوجِئتُ عند دخولي مكتب الأستاذ بوستة في الموعد
المضروب، أن الصحافي الذي شتمني كان واقفا أمامه، في وضع أشبه بالتلميذ المذنب
الذي ينتظر عقابه، رحب بي الأمين العام لحزب الاستقلال بحفاوة، ودعاني للجلوس فوق
كرسي وثير أمام مكتبه، وشرعنا نتحدث في مواضيع شتى، دون أن يتطرق إلى المسألة التي
التقينا بسببها، وفي لحظة انتهاء حديثنا، التفت إلى الصحافي الحزبي الذي ظل طوال
ذلك الوقت، في وضع الوقوف والصمت، وقال له
بلهجة آمرة: اطلب السماحة من السيد إنياس دال.. وكانت مُفاجأتي كبيرة، حين توجه
إلي المعني بذلك الأمر، مُعتذرا في تلعثم، قبل أن يُقاطعه الأستاذ بوستة قائلا:
هذا ليس كافيا، ستكتبُ في عدد الغد من الجريدة اعتذارا للسيد "دال"..
وهو ما تم بالفعل.
عبد الله إبراهيم: "رُدوا للحسن الثاني
سلهامه"
بلغت العلاقة بين الحسن الثاني (حينما كان وليا للعهد
أواخر عقد الخمسينيات من القرن الماضي) وحكومة عبد الله إبراهيم حدا من السوء، أن
وريث محمد الخامس، عمل بكل السبل على الإطاحة بها، وهو ما تأتى له من خلال الحصول
على موافقة أبيه، بحلها في شهر ماي من سنة 1960، وقد روى الكاتب الخاص لعبد الله
إبراهيم واقعة طريفة، حدثت بين الرجلين (الحسن الثاني وعبد الله إبراهيم) ومُؤداها
أن الأول اقترح على الثاني أن يكون تسليم السلط بمكتب الوزارة الأولى، ذلك أن
الحسن الثاني، هو الذي تسلم تسيير الحكومة، بعد إقالة عبد الله إبراهيم، باتفاق مع
والده محمد الخامس، ومن تفاصيل الواقعة الطريفة أن الحسن الثاني دعا عبد الله
إبراهيم إلى الجلوس لمُباشرة ترتيبات تسليم الملفات، غير أن هذا الأخير أخبره أنه
يُفضل البقاء واقفا، وهو ما اضطر الحسن الثاني إلى المُجاراة، وفي لحظة معينة، حسب
نفس المصدر، سأل الحسن الثاني عبد الله إبراهيم، عن مكان وجود الصندوق الأسود،
ضِمن مكاتب ومرافق الوزارة الأولى، فكان أن أجابه سي عبد الله إبراهيم:
"الصندوق الأسود راه ما عنديش فالوزارة، راه كاين عندكوم في القصر"..
وكان أن صمت الحسن الثاني..
لا أحد من سياسيي تلك المرحلة الغنية، برجالاتها
النوعيين، كان يجهل التقدير الذي كان يُكنه الحسن الثاني لعبد الله إبراهيم، بفضل
المواقف الرجولية لهذا الأخير، وقد أراد الحسن الثاني أن يُعبر عن شعوره ذاك
للرجل، فاغتنم إحدى لقاءاتهما لأمر ما، فوضع سلهامه الخاص على كتفه، غير أن عبد
الله إبراهيم، ردَّ "السلهام" مع السائق الخاص للحسن الثاني، الذي أوصله
إلى بيته بعد نهاية اللقاء قائلا: رُدَّ للحسن الثاني سلهامه".
أوفقير لزوجته: "هذا الرجل هو الذي سيخلفني"
كانت المناسبة
إحدى الاحتفالات التي دأب على إقامتها الحسن الثاني في قصره، بالرباط، والزمن أحد
أيام سنة 1969، وكما جرت بذلك قواعد البروتوكول الملكي، كان صف الشخصيات الحكومية،
والسياسية والعسكرية، والسفراء الأجانب في صف طويل، يُقدمون التهنئة للحسن الثاني، كان الجنرال
أوفقير يقف في إحدى جنبات القصر رفقة زوجته فاطمة، بعدما كانا من أوائل الذين
قبّلوا يد الملك، وبينما كان الوقت يسير متباطئا وكأنه لن ينتهي، مستغرقا في عد
تلك الحركات والخطوات البروتوكولية الرتيبة، استرعى انتباه زوجة الجنرال أوفقير
رجل دخل إلى قاعة العرش، وهو في وضع الانحناء، حتى كاد صدره أن يُلامس رُكبتيه،
وعَبَرَ كل المسافة التي كانت تفصله عن الحسن الثاني، وهو على ذلك الحال، ثم أخذ
يد الملك وقبَّلها ظهرا لبطن أكثر من مرة، وحينما أقفل راجعا، لم يُولِّ ظهره، بل
رجع القهقرى، حتى خرج من قاعة العرش، كان الوحيد الذي أقدم على ذلك التصرف، بما
أثار استغراب أغلب الحاضرين، ومن بينهم زوجة أوفقير التي قالت فيما بعد، إن ذلك
أثار اشمئزازها، وسألت حينها زوجها: مَن يكون ذلك الرجل؟ فأجابها: إن هذا الرجل هو
الذي سيخلفني في منصبي، واسمه إدريس
البصري، وهو حاليا مجرد ضابط شرطة". وفعلا تحققت نبوءة الجنرال، وأصبح البصري
أقوى رجل في البلاد بعد الحسن الثاني، سنوات قليلة بعد ذلك.
عز الدين العراقي: "زيدوهوم الشلحة باش
يتلفو"
اتسمت فترة عقد سبعينيات القرن الماضي، بظهور ما سُمي
بسياسة مغربة التعليم، وكان القيادي الاستقلالي آنذاك عز الدين العراقي واحدا من
وزراء التعليم، الذين تعاقبوا على مدى عدة حكومات مغربية على هذا المنصب، غير أنه
كان أشهرهم، في مُغالاته الذهاب بعيدا في سياسة "مغربة" مضامين مقررات
وزارة التربية الوطنية. وهو ما جعل السياسة المذكورة، تخلف أوخم الأضرار، على مدى
أجيال من مستهلكي مكونات التعليم المغربي العمومي، ولعل من أوخم تلك الأضرار، أن
نسبة كبيرة من خريجي المؤسسات التعليمية، بمختلف أسلاكها، لا يُتقنون أية لغة، من
اللغات التي يتعلمونها، بسبب التخبط في منهج التدريس، بغية جعل اللغة العربية هي
الأساس.
وكان طبيعيا أن ينصب النقد في هذا المجال، على وزير
التعليم السابق عز الدين العراقي باعتباره الوصي "المتحمس" للتعريب،
ونقل أحد الذين كانوا ضمن مَن عملوا إلى جانبه في وزارة التعليم، أن
"العراقي" توصل بتقرير ميداني عن سلبيات منهج تعريب التعليم، مع بسط
تفصيلي بالأرقام لنتائجه، فما كان من الوزير عز الدين العراقي إلا أن قال لأحد
كبار أطر الوزارة: "زيدوهوم تعليم الشلحة باش يتلفو مزيان".
حين كان محمد اليازغي يريد تغيير المخزن من الداخل
يتذكر أحد السياسيين الحزبيين أن اجتماعا خاصا، عُقِد في
منزل صديق للقيادي الاتحادي محمد اليازغي، وبحضور "ريمون بنعيم" أسابيع
قبل تشكيل "حكومة التناوب" ربيع سنة 1998 . سأل أحد الحاضرين محمد
اليازغي: "لماذا تُريدون الدخول إلى حكومة التناوب؟ فأجاب: "سندخل إلى
الحكومة لتغيير المخزن من الداخل".. مصدرنا الذي نقل هذه الواقعة علق بالقول:
"لقد ذهبت تجربة حكومة التناوب أدراج الرياح، ولم يتغير المخزن كما قال
اليازغي، بل إن المخزن هو الذي نجح في مَخزنة الاتحاديين".
امحمد الخليفة: "شكون لي ما بغانيش نكون وزير؟"
يروي أحد الأعضاء السابقين في اللجنة التنفيذية لحزب
الاستقلال، أن ظهور أسماء الاستقلاليين الذين تقرر توزيرهم في حكومة عبد الرحمان
اليوسفي (في طبعتها الأولى) جرَّ غضب الكثيرين من قياديي وأطر الحزب، وكان من
أشدهم غضبا المحامي امحمد الخليفة، فطفق يرفع يده لتسجيل نقطة نظام في يوم الجمعة
من كل أسبوع، حيث كان موعد عقد اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب، ليطرح سؤالا وحيدا
هو: "شكون لي ما بغانيش نكون وزير، واش الملك ولا اليوسفي ولا الحزب؟"..
بلغ من درجة كوميدية الموقف، أن باقي أعضاء اللجنة التنفيذية، كانوا يتندرون به، باستثناء
شخص واحد، هو الأمين العام للحزب عباس الفاسي.. لقد كان هذا الأخير، حسب مصدرنا،
شديد الانزعاج من السؤال اللازمة لمحمد الخليفة في كل اجتماعات اللجنة التنفيذية،
لدرجة أن "عباس" شرع في البكاء ذات مرة مُشتكيا من المتاعب التي يسببها
له إلحاح "الخليفة" على مسألة عدم توزيره، وحينها بادر أحد الأعضاء
الحاضرين "عباس الفاسي" بالقول: "هل تعتقد أنك بدموعك تستطيع قيادة
الحزب؟"
إدريس البصري كان على عِلم بكل شيء
يحكي أحد الصحافيين المُخضرمين، أنه كان ذات مساء في
بيته مُستقبلا صديقه وزير الخوصصة رشيد الفيلالي في حكومة عبد الرحمان اليوسفي،
وبينما كانا يخوضان في حديثهما، قذف فاكس بيت الصحافي مقالا بعثه أحد المُحامين،
وبينما شرع الأول في قراءة المقال، وجد ضمن عباراته واحدة تشير إلى إدريس البصري،
بهذا الوصف: "إن يديه تقطران بدماء ضحاياه.." وبينما المعني يُتابع
القراءة، رن هاتفه، وكان على الطرف الآخر من الخط، وزير الدولة في الداخلية إدريس
البصري الذي قال له: "ابق حيث أنت في بيتك ستصلك مني هدية خلال لحظات"
وفعلا، يُتابع الصحافي المُخضرم: لم تمض سوى دقائق قليلة حتى رن جرس باب المنزل،
وعندما فتحته وجدتُ شرطيا يحمل ظرفا في يده، سلمه لي قائلا: "هذا من عند سي
إدريس.." فتحتُ الظرف، وكم كانت دهشتي كبيرة حينما وجدتُ فيه نسخة من نفس
المقال الذي وصلني للتو ولم أكن قد أتممت بعد قراءته".
"ذاكرة ملك درة فريدة يا مولاي"
كشف الكاتب والصحافي الفرنسي "إيريك لوران" في
الآونة الأخيرة، عن بعض الحيثيات والأسرار، التي أحاطت بإنجازه لكتاب "ذاكرة
ملك" الذي تضمن حوارات مع الحسن الثاني، ومما كشفه "لوران":
"في اليوم الذي أنهيتُ فيه الاشتغال على مسودة الكتاب، جمع الحسن الثاني عددا
من مستشاريه ومساعديه، كان من بينهم إدريس السلاوي وآخرون، وطلب منهم رأيهم في
الكتاب، وطفق كل واحد منهم في كيل مديح لا ينتهي، يبدأونه بعبارات من قبيل: لم نر
من قبل يا صاحب الجلالة مسودة كتاب جيدة مثل هذه، تسلط الضوء على تفكيركم
الاستراتيجي..." إلخ. لم يكن الحسن الثاني رجلا مغفلا، لذا كان يستمع إليهم مُتأرجحا
على كرسيه الهزاز، وهو يلوح بحركات صغيرة من يده إشارة إليهم بالسكوت، ذلك أنه في
كل مرة طلب رأي أحد مستشاريه، يبدأ نفس خطاب المديح، كما أن بعض الشخصيات
الفرنسية، التي كانت حوالي الحسن الثاني، واستفادت من امتيازات عديدة، فعلت نفس
الشيء، بل لقد أمعنت أكثر في منافسة مستشاري ومساعدي الحسن الثاني فوق حلبة
المديح".
ويتذكر "لوران" أيضا: "كُنت برفقة الحسن
الثاني في قصر الصخيرات، بينما كنا نتحدث عن مسودة كتاب "ذاكرة ملك"،
وكانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا، حينما قال لي الحسن الثاني، إنه رتب لي
لقاء عشاء، مع قادة الأحزاب السياسية، في مدينة الرباط في نفس الليلة، فكان أن
أشرتُ إلى مسألة الوقت المتأخر، فقال لي: لا.. لا إنهم ينتظرونك. ثم استأنفنا ما
كنا فيه، لأتركه عند نحو الثانية عشرة ليلا، ولم أبلغ الرباط حتى الساعة الواحدة
بعد منتصف الليل، وجدتُ حين وصولي، أن كل قادة الأحزاب السياسية: الاستقلال
والاتحاد الاشتراكي.. إلخ، قد ناموا جالسين فوق مقاعدهم، وعندما دخلتُ، قفزوا
واقفين وهم يقولون تباعا: "السيد لوران، كم أنا سعيد برؤيتك".
الحسن الثاني: الجراد هو الذي منحنا حكم المغرب
يحكي "إيريك لوران" أيضا في مكان آخر، من حوار
طويل معه عن الحسن الثاني والمغرب، ما هو جدير بالتأمل، يقول مثلا: "إذا
كُنتُ قد أُعجبتُ بشخصية الحسن الثاني، فإنني لم أُعجب قط بالمغرب، لقد كان
يستهويني كثيرا النظر إلى دهاليز النظام السياسي المغربي، لفهم الوقائع التي يستند
إليها، وأتذكر في هذا الإطار أن الحسن الثاني قال لي يوما: هل تعرف؟ في مجال
السياسة يجب أن يُحالفك الحظ، ولتأخذ عائلتي كمثال، نحن العلويون ننحدر من نسل
النبي، وقد حدث في وقت معين، أن اجتاح الجراد البلاد، وأتى على المحاصيل، لقد
استمر ذلك طويلا، وفي لحظة مُعينة، قرر المسؤولون، منح السلطات السياسية، لأحد
أفراد سلالة النبي، أي لأجدادي، وحينما تسلم هؤلاء الحُكم وللصدفة.. هوووب (قالها
هكذا) تبخر الجراد، إن هذا هو الحظ في السياسة".
لقد كان بإمكان الحسن الثاني أن يقول مثلا: "نحن من
سلالة النبي، وقد تمت الاستجابة لدعائنا فاختفى الجراد".. لم يفعل شيئا من
ذلك، وهذا واحد من الأسباب التي كانت تجعلني مُعجبا بشخص الحسن الثاني. بالمٌقابل
فإنني لا أحمل نفس الشعور للنخبة السياسية، بل على العكس لدي حكم قاس عليها (...)
وأعتقد أن هنا يكمن أكبر مشكل بالنسبة للمغرب. لقد كان الحسن الثاني يعي هذا
الأمر، ذلك أنه من الصعب جدا، أن تجعل بلادا تعمل، دون أن يتوفر فيها شعور عميق
بالانتماء وحس المسؤولية، لدى الطبقة السياسية، ويُمكنني أن أقول إن من بين كل
الذين التقيتهم (أي المسؤولين السياسيين) لم أستشف أدنى شعور أو حس بالمصلحة
العامة.
الحسن الثاني لابنه: هذا هو اليوسفي الذي كان يحمل
السلاح تحت ملابسه
كانت المُناسبة، يقول مصدرنا، في أحد الأيام التي أعقبت
تشكيل حكومة التناوب ربيع سنة 1998، حيث استقبل الحسن الثاني في قصر الرباط، وزيره
الأول عبد الرحمان اليوسفي، لمُناقشة أمر ما، كان برفقة الأول ولي عهده الأمير سيدي
محمد، فكان أن التفت نحو هذا الأخير قائلا: هذا هو عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان
يُخفي السلاح تحت ثيابه أيام المُعارضة.. بعض الذين توصلوا بهذه المعلومة الطريفة،
فسروها على أساس أن الحسن الثاني كان يُشير عبرها، إلى مسألة تواطؤ بعض القياديين
من حزب "الإتحاد الوطني للقوات الشعبية"، في الإعداد للمحاولة
الانقلابية العسكرية الثانية يوم سادس عشر غشت من سنة 1972.
حينما سقط "شيراك" خلال جنازة الحسن الثاني
وسِرُّ "عشق" كلينتون للمغرب
كشف الدبلوماسي الأمريكي "مارتان إينديك" في
حوار حديث، عن تفاصيل طريفة، كان شاهدا عليها خلال جنازة الملك الراحل الحسن
الثاني أواخر شهر يوليوز من سنة 1999، لندعه يصف ما رآه: "كُنتُ حاضرا خلال
جنازة الحسن الثاني، وكانت تجربة مُدهشة. كان لدى بيل وهيلاري كلينتون ميلا
للمغرب، فقد كانا يحتفظان عن هذا البلد برؤية رومانسية، ففي سنة 1994 كان بيل
كلينتون يقوم بزيارة إلى الشرق الأوسط، حيث حط الرحال في بعض بلدان المنطقة، وكان
أن بعث إليه الحسن الثاني بموفد يقترح عليه زيارة المغرب، في طريق عودته إلى
الولايات المتحدة الأمريكية، فاستحسن كلينتون الفكرة، إذ كان يُريد رؤية منظر مغيب
الشمس في مدينة مراكش، حيث قال حينئذ بإصرار: "لقد فعل ذلك
"تشرشل"، أنا أيضا أريد القيام
بذلك".. غير أن أفراد جهاز الأمن السري، عارضوا رغبته، بدعوى أنه لم يتم إطلاعهم مسبقا على فقرة زيارة المغرب،
لإعداد برنامج أمني، لزيارة الرئيس الأمريكي، لقد كانت هيلاري كلينتون، وابنتها
شيلسي، هما مَن قامتا بزيارة المغرب، بدون بيل كلينتون، لذا قرر حضور جنازة الحسن
الثاني.
في المناسبة المذكورة، كان هناك حشد كبير جدا، قوامه كل
قادة الدول العربية، بل كان هناك الرئيس الإسرائيلي عايزر وايزمان، كما كانت هناك
بعثة تلفزيونية إسرائيلية تصور تفاصيل الحدث، جمعت المناسبة خليطا ثقافيا لا مثيل
له، وأتذكر جزئية مُهمة، حين شاهدتُ الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على بُعد
خطوات قليلة من الوفد الإسرائيلي، وحينها قُلتُ للرئيس اليمني: ألا تريد أن تُصافح
يد السيد باراك؟ فأجابني: نعم شريطة أن يَنْظَم إلينا الرئيس بيل كلينتون.. وبينما
كان علي عبد الله صالح ويهود باراك يتبادلان الحديث، التفت عايزر وايزمان وشرع في
مُصافحة أفراد الوفد اليمني، بمن فيهم شخصية يمنية محسوبة على تيار الإسلام
الراديكالي، لم يكن سوى رئيس البرلمان اليمني، وحينما انتبه هذا الأخير إلى زلته،
أمام عدسات الكاميرا، قرر التسلل بين الحشود، وفي الطريق إلى الضريح، قال بيل
كلينتون: لا لن أمتطي السيارة، أريد أن أمشي، إن الحسن الثاني قد يكون أحب ذلك،
لذا فسأفعل" فكان أن رد عليه أفراد الأمن: مستحيل سيدي الرئيس.. غير أن
"بيل" تشبث بموقفه، وفعل ما أراده.. كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قرب
بيل كلينتون، لذا ارتأى الإقتداء به، حيث تخلى عن سيارته الرئاسية، ومشى إلى جانب
كلينتون.. كان المشهد قِياميا، وحابلا بالمخاطر، في فضاء شديد الازدحام، لقد رأيتُ
"شيراك" ساقطا أرضا، بينما يُساعده مُرافقوه على الوقوف.
المحجوبي أحرضان: "فين هوما الرجال؟"
كان رئيس "الحركة الشعبية" المحجوبي أحرضان
بصدد إجراء حوار صحافي في أحد أيام سنة
2000، وبينما كانت الأسئلة تتوالى، وفي إثرها الأجوبة على الطريقة
"الأحرضانية" شعر المُحَاوَرُ - أي أحرضان - أن الصحافي يُحاول أن
يستفزه، سيما حينما سأله: "أنتَ وحزبك كُنتما دائما في خدمة المخزن، فهل كان
ذلك عن قناعة أم لتحصيل مصلحة؟" وحينها استشاط "الزايغ" غضبا، وشرع
يصرخ في وجه الصحافي: "فين هوما الرجال في المغرب؟ جيب ليا شي واحد واخا يكون
لابس جلابة، وخنونتو مدلية".
وفي الواقع فإن هذه ليست سوى واحدة من "نوادر"
الزعيم الحركي "أحرضان" وما أكثرها على مدى أزيد من خمسة عقود في العمل
السياسي، ومنها أيضا – أي نوادر أحرضان – أن الصحافي "عمر سليم" استضافه
مُباشرة على الهواء في بلاتوه قناة "دوزيم" منذ بضع سنوات، وعندما وصل
الحديث إلى طلب رأيه في طبيعة النظام المغربي، قال "أحرضان": "واش
عرفتي علاش حنا ملكيين في المغرب؟ سأقول لك لماذا؟ ذلك أن كل واحد منا ملك في
قبيلته وفي حزبه وفي مصنعه وفي قريته وفي حيه وبيته..".
تقبيل كتف عبد الرحمان اليوسفي "تَبَرُّكاً"
انفردت مرحلة تولي الكاتب الأول السابق عبد الرحمان
اليوسفي، منصب الوزير الأول، في حكومة التناوب ربيع سنة 1998، بالعديد من
"المستملحات" التي أصبحت تجري على الألسن، ولعل أشهرها على الإطلاق،
كانت حينما سُئل اليوسفي عن فحوى الاتفاق الشفوي الذي كان له مع الحسن الثاني،
لإتمام صفقة التناوب، حينها لم يتورع خليفة عبد الرحيم بوعبيد على رأس حزب "الاتحاد
الاشتراكي"، من القول إنه أقسم للحسن الثاني ويده على المصحف أن لا يكشف عن
فحوى اتفاقهما، وفجأة اكتشف الناس أن لليوسفي قناعات غير عقلانية، كتلك التي نادى
بها حزبه طويلا.. الأكثر من ذلك أن اليوسفي "استأنس" شيئا فشيئا،
بالعديد من "مؤثثات" الحياة الحكومية، بعضها غارق ليس فحسب في
اللاعقلانية، بل في "قاع" الاعتبارات المخزنية، ومنها مواقف مشهودة، كان
لها وقع كبير من المفاجأة، كتلك التي حدثت خلال انعقاد مؤتمر "الحركة الوطنية
الشعبية"، سنة 2001 حيث كان اليوسفي من ضيوف المحجوبي أحرضان في المناسبة
التنظيمية المذكورة، فخلال استقبال الوزير آنئذ - أي عبد الرحمان اليوسفي – من طرف
بعض قياديي حزب "أحرضان" شرع بعضهم في تقبيل كتف اليوسفي، وقد لاحظ
الذين عاينوا الظرفية أن هذا الأخير بدا سعيدا بهذا الاحتفاء المخزني العتيق.
ولعل هذا ما دفع "أحرضان" إلى الإشارة في كلمة
افتتاح المؤتمر المذكور، إلى اليوسفي الذي كان جالسا في الصف الأول أمامه، قائلا:
"ها هوما إخوتنا الذين كانوا يختلفون معنا بالأمس، يجلسون بيننا، وفي
مُقدمتهم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي".
حينما بكى الحسن الثاني حنقا على وزير قصوره
قضى الجنرال عبد الحفيظ العلوي، مدة ثلاثين سنة في منصب
وزير القصور والتشريفات والأوسمة، وعُرِف بقسوته الأسطورية، في التعامل مع كل مَن
ساقهم قدرهم التعس إلى طريقه..
ومما يُروى عنه أنه أرغم وزيرا (ما زال على قيد الحياة)
على أكل غائطه، وذلك حينما اكتشف ارتكابه لخطأ، وبالموازاة مع ذلك، كان "عبد
الحفيظ" كائنا شرها في جمع الأموال الطائلة، بمختلف الطرق، إبان حمى مُلاحقة
مُعارضي الحسن الثاني، بل الأكثر من ذلك، إنه كان يتعمد سلب فلاحين بسطاء أراضيهم،
ليستجمع مساحات شاسعة، لإقامة ضيعاته بمختلف أنحاء البلاد. كما أنه كان خائضا في
وساطات بين أوساط السياسيين، الراغبين في الاستوزار أو مجرد الظفر برضا الملك. وهو
ما كان يتلقى عنه رشاوى وهدايا عينية، بلغ من ضخامتها أنه تم اكتشاف مسكن، في
ملكيته لم يكن معروفا، بمدينة تمارة، تكدست فيه ثروة بعشرات الملايين، قوامها
مجوهرات وحلي وماس، ومختلف القطع النفيسة، وأكوام من الأموال النقدية، يعود بعضها،
ويا للغرابة، إلى فترة حكم السلطانين الحسن الأول وعبد العزيز.
وعندما توفي الجنرال عبد الحفيظ، سنة 1990، خلف ثروة لا حصر
لها، بلغ من ضخامتها، أن الحسن الثاني حينما بلغه مقدارها، وضع رأسه بين يديه وشرع
في البكاء حنقا. مما جعل أحد الذين عاينوا الواقعة يقول: " الجنرال عبد
الحفيظ جرف أموال الدولة إلى خزائنه".
الوزير "وَكَّالْ رمضان"
كانت مُناسبة اندلاع القضية التي أُطلق عليها اسم
"وكالين رمضان" في الآونة الأخيرة، مُناسبة لتذكر مجموعة من الوقائع
المرتبطة، منها واحدة في غاية الطرافة، يرويها أحد الصحافيين ممن عايشوها، نحتفظ
باسمه نزولا عند رغبته، لنستمع إليه: استغربتُ كثيرا البيان التنديدي الذي أصدره المكتب
السياسي لأحد الأحزاب، في شأن واقعة إقدام بضعة شبان على مُحاولة الإفطار علنا
بغابة مدينة المحمدية، حيث عادت بي الذاكرة بضع سنوات إلى الوراء، حينما كُنتُ في
لقاء مع أحد وزراء نفس الحزب، الذي أصدر البيان التنديدي، في بيته، وصادف أن كان
ذلك في أحد الأيام الرمضانية، وفوجئتُ في لحظة ما بعد ظهر ذلك اليوم، أن السيد
الوزير أخبرني أن مائدة الطعام جاهزة، ودعاني لمُشاركته إياها.. فعل السيد الوزير
ذلك بتلقائية فاجأتني، وكأنني كُنتُ ضيفا على أحد الأجانب".
حينما حَلَقَ مدير الديوان الملكي رأسه طلبا للعفو
تعرض مدير الديوان الملكي محمد رشدي الشرايبي، لمأزق
حقيقي في أحد أيام سنة 2004، وذلك حينما نُسِب إليه أنه سعى إلى تزوير وثيقة
"عدم الزواج" ليتمكن من اتخاذ زوجة ثانية، غير أن "سُعاة"
النميمة، في أروقة ومكاتب الديوان الملكي، نقلوا المُخالفة "طازجة" إلى
الملك محمد السادس، فكان أن أبعد هذا الأخير عن ديوانه، وجرده من مهامه إلى أجل
غير مُسمى.. وبالفعل انتقل "رشدي الشرايبي" إلى منزله، في نواحي حي
النهضة بالرباط، مُنتظرا البت في قضيته، وكان من بين تعقيداتها الكثيرة، أن المعني
- أي رشدي الشرايبي - كان ضمن عضوية اللجنة التي أخذت على عاتقها، تدبير ملف خطة
إدماج المرأة في التنمية، وبالتالي التداعيات الأخلاقية للموضوع.
وعندما طالت أيام وشهور العطالة، بمدير ديوان محمد
السادس، سعى إلى بعض أصدقائه من دار المخزن، عله يُسعفه بحل لمأزقه، فكان أن أفتاه
بإحياء عادة مخزنية قديمة، تمثلت في حلق شعر رأسه كاملا حتى الصلع، ثم يُدبَر له
أمر وقوع بصر الملك محمد السادس عليه، وهو على تلك الصورة. وفعلا طبق رشدي
الشرايبي "الفتوى" حيث ساعده بعض أصدقائه في دار المخزن، ليتواجد في
إحدى المُناسبات التي حضرها الملك بمدينة تطوان. ولم يتأخر عليه الرد حيث تمت
إعادته إلى مكتبه بالديوان الملكي، لكن بدون مهمة مُحددة كما أفادت بذلك أخبار
منشورة آنذاك.
لا أحد يفتح الباب لإدريس البصري
تلقى وزير الدولة في الداخلية القوي زمن الحسن الثاني،
إدريس البصري، مُكالمة هاتفية من أحد أقرب مُساعدي محمد السادس، في يوم من شهر
نونبر سنة 1999، للحضور إلى مدينة مراكش على عجل، حيث كان يوجد الملك محمد السادس،
وبعدها بساعات قليلة، أُذيع خبر استقبال إدريس البصري، من طرف الملك وتوشيحه
بوسام، إيذانا بانتهاء مهامه كوزير دولة في الداخلية.
بعض الذين شاهدوا إدريس البصري في تلك اللحظات، أكدوا
أنه بالكاد كان يتماسك في مشيه، وعبر عن شعور الخيبة، حين تسليمه للسلط إلى خلفه أحمد
الميداوي قائلا: "إن وزير الداخلية أشبه بخادمة البيت في الحكومة".. أما
الذين رأوه مساء نفس يوم التخلي عنه، فأكدوا أنه قصد توا بيت صديقه الصحافي
"م.ل" الذي كان يعتبره واحدا من القلائل الذين اعتمد عليهم في بسط نفوذه
على المجال الإعلامي، وبالمقابل صنع إدريس البصري، ثروة وشهرة الصحافي الممومأ له،
بعدما كان نكرة في إحدى الجرائد الحزبية، ولم يكن يستطيع شراء جوربين في السنة،
ليتحول بين عشية وضحاها، إلى "محلل سياسي" معروف في شتى القنوات
التلفزية الوطنية والعربية. وحسب الذين نقلوا إلينا تفاصيل هذه الواقعة، فإن
البصري طرق الباب أكثر من مرة، غير أن "صديقه" الصحافي لم يفتح باب
بيته. فعاد وزير الدولة في الداخلية المخلوع أدراجه، مُزدردا غصة شكواه، في تلك
اللحظة العصيبة التي كان يحتاج فيها إلى "صديقه" الصحافي ليُشاركه
متاعبه النفسية.
كل الوزراء المغاربة المدعوين فرنسيون
ليس سرا أن أغلب كبار الشخصيات السياسية المغربية،
اكتشفوا منذ القديم "محاسن" الحصول على إحدى الجنسيات الأجنبية، وعلى
رأسها الفرنسية، وقد استفحل عدد المرشحين، واكتظت طلباتهم للظفر بالجنسية
الأجنبية، لدرجة دفعت الصحافي الفرنسي "جون بيير توكوا" إلى القول إن جل
أفراد الطبقة السياسية المغربية، المُمسكة بمقاليد الأمور، يتوفرون على جنسية
مزدوجة، مستشهدا بنموذج الوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي المتزوج من امرأة
فرنسية، الذي اتخذ من مدينة "كان" مستقرا له حيث يقضي أيام تقاعد
مُريحة، ووزير الداخلية السابق إدريس البصري الذي لم يجد من "ملاذ" في
آخر العمر سوى "الاختباء" في فرنسا، أما عدوه اللذود أندري ازولاي المستشار
الملكي في بلاطي الحسن الثاني ومحمد السادس، فيملك حسب الصحافي "توكوا"
العديد من العقارات في أرقى أحياء العاصمة الفرنسية باريس، تحسبا لمقبل الأيام، في
حين أن السكرتير الخاص للحسن الثاني، ومُدبر أموره المالية عبد الفتاح فرج الذي
توفي سنة 2005، فكان قد ولى وجهه شطر ألمانيا حيث كان متزوجا من ألمانية، واختار في نهاية مهامه بعد
وفاة الحسن الثاني، أن "يُصفي" كل ممتلكاته في المغرب، عن طريق البيع،
ويستقر مع زوجته الألمانية في بلادها، ولم تمض سوى سنوات قليلة على ذلك، حتى
أدركته المنية، تاركا لزوجته الألمانية التي لم يُخلف منها ذُرية، كامل مُمتلكاته،
وحسب الصحافي "توكوا" فإن عبد الفتاح فرج اختار ألمانيا للزواج
والاستقرار في مرحلة التقاعد، لأنه كان يخاف من التعاون الوثيق الموجود بين أجهزة
المخابرات في فرنسا والمغرب.
إن هذه النماذج القليلة من "تهافت" كبار
شخصيات الدولة على الزواج من أجنبيات، توجد خلفه رغبة مُلحة في الظفر بموطئ قدم،
خلال الحالات "الطارئة". يتذكر السفير الفرنسي السابق في المغرب
"فيليب كَوفيلييه" كيف كان يتقاطر على مصالح السفارة في الرباط، ثلة من
عِلية القوم، لاتخاذ الإجراءات الإدارية للحصول على الجنسية الفرنسية، بعدما كانوا
قد "أتموا دينهم" بالزواج من نساء فرنسيات؛ قال السفير الفرنسي المذكور
واصفا تلك الظروف: "لقد كانوا يأتوننا وهم يمسحون الحيطان تذللا، ذلك لأن
الحصول على الجنسية الفرنسية بالنسبة إليهم، يُعتبر ملاذا آمنا، في حالة ما إذا
ساءت الأمور"، مُضيفا: "كان الحسن الثاني على علم بما يقع، في هذا
الصدد، ولم يكن يبدر منه أي تصرف لمنعه، غير أنه كان ينظر إلى الأمر بعين
سلبية".
جاء تأكيد آخر لمسألة ازدواجية الجنسية، لدى أغلب كبار
الشخصيات السياسية ومسؤولي الدولة، من خلال واقعة عيانية بالغة الطرافة، عاش
تفاصيلها السفير الفرنسي الحالي، وذلك حينما نظم حفل عشاء، بمقر إقامته
الدبلوماسية بالرباط، على شرف قُدامى خريجي كبريات المدارس والمعاهد الفرنسية، كان
السفير يعتقد أنه قد دعا إلى حفلته مواطنين مغاربة، عدا بعض الاستثناءات القليلة،
لكنه اكتشف في لحظة مُعينة، أن جميع الحاضرين كانوا حاصلين على الجنسية الفرنسية.
عليكم أن تختاروا أيها الفرنسيون: إما نحن أو الإسلاميين
كشف صحافيان فرنسيان منذ بضع سنوات قليلة، أن إدريس
بنهيمة، حينما كان واليا على مدينة الدار البيضاء الكُبرى، سافر يوما إلى العاصمة
الفرنسية موطن والدته، والتقى بالمناسبة، بعضَ أصدقائه القُدامى، الذين جاوروه
مقاعد الدرس في مدرسة "البوليتيكنيك" وفوجئ بهم، وبعضهم أصبحوا من كبار
الشخصيات الحكومية والسياسية، يرسمون أمامه لوحة رمادية للوضع بالمغرب، مُشيرين
إلى تدهور سير العديد من الأوراش الحيوية، في المجال الاقتصادي، وطابع الهواية
الذي يتسم به العديد من المسؤولين المغاربة، في التعاطي مع الوضع، وحذروه من
احتمال استفحال الأزمة، بما يُنذر بأوخم العواقب. وكم كانت مُفاجأة تلك الشخصيات
الفرنسية كبيرة، حينما استخف "بنهيمة" بكل تلك المبررات التي ساقها
مُحدثوه، وقال لهم دون أن يرف له جفن: "هذا هو حال المغرب، وعليكم أنتم
الفرنسيون أن تختاروا بيننا نحن، أو المتطرفين الإسلاميين".
المغرب "محمية" سياسية واقتصادية فرنسية
كشف سفير سابق لدولة الهند لأحد أصدقائه المغاربة في
جلسة خاصة، عن مُعطيات مثيرة بصدد موضوع الاستثمار في المغرب، ومفادها أنه - أي
السفير الهندي السابق – اشتغل على موضوع مشاريع استثمارية آسيوية بالمغرب، طوال
شهور عديدة، كلفته الكثير من الجهد والوقت، وفي الأخير كُللت اتصالاته ومساعيه
بالنجاح، حيث استطاع، كما قال، إيجاد أربعمائة مشروع استثماري من مختلف البلدان الآسيوية
المنضوية في تجمع "أسيان" الاقتصادي، وبعدما تم استكمال الدراسات
الأولية الخاصة بتلك المشاريع، من طرف الشركات المُهتمة، وضع المعنيون طلبات
الحصول على أسواق استثمارية، في مختلف القطاعات لدى المصالح الحكومية المغربية
المُختصة، وكم كانت مُفاجأة السفير الهندي ومعه المستثمرون الأسيويون كبيرة، حينما
اكتشفوا أن الأربعمائة طلب بالاستثمار، تم رفضها بالكامل من طرف الحكومة المغربية،
وحينما استعلم السفير الهندي السابق عن مغزى وخلفيات ذلك الرفض، توصل إلى أن ثمة
لوبياً فرنسياً- مغربياً، قوامه مسؤولون نافذون من كلا البلدين، يُمارسون ضغوطا في
مختلف المصالح الحكومية والإدارية، حتى لا تعبر الاستثمارات الاقتصادية، التي لا
تستجيب لـ "معايير" متفق عليها سلفا، ومن الأكيد كما علق على ذلك السفير
السابق لبلاد "الماهاتما" في المغرب: "لم يكن من بين تلك المعايير
عنصر الفعالية والنجاعة الاقتصادية، سيما أن القطاعات التي اتجهت إليها أنظار
عشرات الشركات الآسيوية، لم تكن محط مُنافسة أو احتكار من طرف المستثمرين
الفرنسيين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق